الجوانب القانونية لجريمة شبح الريم

عندما تقع واقعة و يستوقفنا موقف يهب صاحب كل فن لتسليط الضوء على الواقعة بمنظار فنه وتخصصه حتى يثري الطرح ويضع الحد كي لا يشذ الشرح , و حيث أحداث جريمة جزيرة الريم التي شغلت الرأي العام الإماراتي في الأيام الماضية , و بما إنني متخصص في القانون – العلوم الجنائية – رأيت ضرورة تناول تلك الأحداث من الناحية القانونية والاستفادة من الأحداث والإجراءات الشرطية المتخذة حيالها خاصة المتعلقة بنشر مقطع الفيديو الذي اظهر المشتبه به – المتهم – وعليه بسم الله ابدأ بتناول محورين أوله مدى مشروعية وضع كاميرات المراقبة و ثانيه تناول جانب نشر الفيديو  الذي يظهر  الأشخاص ومن ثم التعريض على النقاب وفق القانون الجنائي .

أولا مدى مشروعية تصوير الأشخاص ووضع كاميرات المراقبة الأمنية .. ,  الأمن أس الحياة و  قوامها لقيامها على وجه صحيح سليم , و ممارسة الأمن تأتي بأساليب و أدواة مختلفة متنوعة , لكن دائما الأمن مرتبط بأسس ومقاصد أخرى هي بمثابة الميزان الذي من خلاله تقيد الممارسة الأمنية أو بالأحرى تضع لها ضوابط , و على سبيل التمثيل لا الحصر نجد إن الأمن يلازم السلامة و العكس فلا يمكن فتح جميع بوابات الطوارئ في منطقة أمنية بدعوى السلامة و إخلال الأمن و كذا لا يفرط في إغلاق المنافذ والبوابات في منطقة أمنية دون ترك مجال لمتطلبات السلامة , و هذا التجاذب بين السلامة و الأمن يقدم لنا الحلول الأمنية من خلال أنظمة أمن و سلامة توازن بينها , و في المقابل نجد الأمن ينضبط بالخصوصية و العكس فالخصوصية لا تقف عائقا على إطلاقها أمام الممارسة الأمنية خاصة متى كان الخطر محدقا , و حديثنا هنا حول مدى انتهاك الخصوصية من خلال الكاميرات المراقبة الأمنية , الأصل إن للإنسان ” حق الصورة ” فليس لأحد أن يتعدى و يسلب حق الشخص في منع التقاط صورته أو نشرها و حتى الاحتفاظ بها و كل ذلك تحت حق الخصوصية الذي كفلت بالدساتير و الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان و قبل كل ذلك الشريعة الإسلامية التي جاءت في أكثر من موضع لإقرار الحق و يكفينا في قوله جل جلاله ” ولا تجسسوا ..” , و كما يدرك الجميع إن الحقوق و الحريات لها ضوابط تحدها , فلا تعسف في استعمال الحق و لا حرية متى كانت تعديا على حرية الآخر , و تلك الضوابط والحدود ترسمها القوانين على مختلف مستوياتها من خلال تجريم التعدي على الحقوق و الحريات و كذلك تجرم استغلال تلك الحقوق والحريات في المقابل متى كانت في وجه غير مشروع .

بالنسبة لموقف القانون الإماراتي فإنه وفق قانون العقوبات الصادر  سنة 1987 فإنه يجرم التقاط الصور ونشرها متى كانت تمس الحياة الخاصة للأفراد مع عدم إمكانية الخوض في مسالة تأطير الحياة الخاصة فهي متروكة للمحكمة في تقديرها , و كان التجريم آنذاك يتناسب مع الواقع حيث قلة وجود كاميرات التصوير و عدم استخدامها إلا في حالات نادرة و كذلك حجمها الكبير  , و التجريم يلزم الواقع ويتأثر به , ثم جاء القانون رقم 5 لسنة 2012 بشان مكافحة جرائم تقنية المعلومات امتثالا للاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات أواخر عام 2010 و تماشيا مع ظروف الحال  و الواقع حيث انتشار أجهزة التصوير بل أصبح التصوير  يمثل ” حقيقة الأشياء ” فالقانون المشار إليه جاء على أنقاض قانون سابق لمكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر لسنة 2006 إلا إن القانون الجديد جاء مشددا في التجريم والعقوبة , و جعل مجرد التصوير  انتهاكا للخصوصية و بذلك يعترف بحق الصورة كحق أصيل و لايجوز انتهاكه بأي حال من الأحوال حتى وإن كان الشخص في مكان عام , أي إن النص القانوني لم يشترط اقتران حق الصورة بالحياة الخاصة كما كان النص عليه في قانون العقوبات ,   و عليه فإننه في الأأصل لا يجوز تصوير الآخرين لاتعباره انتهاكا لللخصوصية , والسؤال و هل يشمل المنع الكاميراىت الأمنية التابعة للمحلات التجارية و المتاجر و المرافق العامة , بداية المرافق العامة التابعة للدولة هي تحت إدارة و إشراف السلطة العامة كالشرطة حيث الكاميرات الأمنية غرضها الوحيد بسط السيطرة والامن على المرفق العام و تندرج تحت إجراءات الضبطية الإدارية , بالنسبة للمحلات التجارية و غيرها من الأماكن فإن تركيب الكاميرات في بعض الغمارات جاء وفق قوانين محلية تلزم بعض المحلات التجارية بتركيب كاميرات أمنية وفق مواصفات فنية و أمنية على ان تضع تلك المحلات ما ينبه الأفراد بوجود تلك الكاميرات , في المقابل هناك محلات أو أماكن وضع الخيار لأصحابها في تركيب الكاميرات الأمنية من دونه , و بين فترة وأخرى تتوسع الجهات الأمنية في إلزام جهات جديدة بتركيب الكاميرات الأمنية و ذلك لما حققتها من فوائد في تقصي الجرائم وردع المجرمين و صارت مثل وقاية نسبية لمنع ارتكاب الجريمة و جعل المجرم يعيد التفكير في ارتكاب جريمته لما للكاميرات من دور في كشف الجرائم و مرتكبيها مهما سعى المجرم في التخفي و إخفاء آثار الجريمة .

ثانيا مدى مشروعية نشر المقاطع المصورة من الكاميرات الأمنية : يترتب على نشر صور الآخرين سواء صور ثابتة أم متحركة ” الفيديو ” جزاء جنائي و مدني متمثل في التعويض , وعليه إن مجرد النشر جريمة إذا كان التصوير أساسا غير مشروع , لكن كما استعرضنا إن تصوير الكاميات الأمنية مشروعة , لكن التقاط الصور و الاحتفاظ بها شيء و نشرها شيء آخر , و عليه إن أذن شخص بتصويره و كان الإذن قاصرا على التقاط الصورة دون نشره فلا يجوز النشر و لايسري إذن التقاط الصورة على النشر  إذا لا بد من الحصول على موافقة صاحب الصورة , اما بالنسبة لنشر الصورة من السلطات في الدولة كما هو في جريمة الريم فإنه من الناحية المدنية لا مسؤولية مدنية تقوم وذلك وفقا لقانون حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة المادة 43 فإن للسلطة العالمة أن تسمح بنشر مقاطع الفيديو او الصور متى كان هذا النشر للصالح العام و لا يمس بمكانة الشخص الذي يظهر في الصورة , و عليه فإن الفيديو لا يسيء لمكانة من ظهر فيه و بالنسبة للمتهمة بإن الفيديو ما هو إلا محاولة لاستجلاء الحقيقية و وفي حقيقته هو  السعي للوصول ” لذات صاحب الصورة ” , و يمكن الاستفادة من عدم قيام المسؤولية المدنية بأنه لا جريمة تقوم بنشر الفيديو من السلطات العامة , وهنا يجدر بنا الإشارة إن النشر يجب أن يكون بمعرفة السلطة العامة و سماحها بذلك , و الأفضل أن تكون وفق قنواتها الإعلامية كما في الحادثة المتناولة عن طريق الإعلام الأمني .

ويجدر بنا الإشارة إلى إن هناك حق معتبر وهو حق الإعلام والمعرفة , أي ممن حق المجتمع معرفة الوقائع و مجريات الأحداث التي تشغل الرأي العام , وبذلك الحق في الاطلاع على الور التي ترتبط ببعض الأحداث , و عليه فإن الحقوق متقابلة و يلزم القانون الموازنة بينها على نحو لا يخل حق بحق آخر  , وكل ذلك مرتبط بأعراف المجتمع ككتلة كاملة و ليس ككتل متكتلة .

أصبحت الكاميرات الأمنية تعبر عن حاجة المجتمع لمثلها من الأنظمة للحفاظ على الأمن و الأمان , وعليه نطالب بتشريع اتحادي ينظم الكاميرات الأمنية يشرف على تنفيذه هيئة اتحادية و يتم من خلال القانون إلزام الجهات التي ترى إمكانية استغلالها في ارتكاب الجرائم, مع المتابعة الحثيثة من الجهة و التأكد مكن توافر الكاميرات الأمنية على مستوى الدولة و ليس على مستوى إمارة دون أخرى , إذ إننا ننعم بالأمن والأمان وأصبحنا مضربا للأمثال , و المحافظة على تلك النعمة يأتي بعون الله ثم بالأسباب كالكاميرات الأمنية والأنظمة الأمنية الأخرى , و القانون الاتحادي سينظم و يوازن بين المتطلبات الأمنية و المحافظة على الخصوصيات والحريات التي كفلتها الدستور و أكد عليها الدستور .

أما بالنسبة للنقاب وفق القانون الجنائي , تساءلت هل عرف القانون الجنائي النقاب و هل وضع له وزنا أم إنه دخيل على مجتمعنا الإماراتي كما يروج له بعضهم ..

من خلال قراءة النصوص العقابية نجد المادة 359 قد تناولت جريمة خدش حياء أنثى ثم اعقبته فقرة ثانية تناولت جريمة تنكر الرجل  بزي امرأة أو دخوله متنكرا مكانا خاصا بالنساء أو محظورا دخوله في حينه و عد هذه الحالة ظرف مشددد اذا ارتكب جريمة على هذه الحالة , والملاحظ إن القانون في الفقرة الأولى استخدم كلمة أنثى أي إنه اقرن خدش الحياء بالأنثى ولم يقل خدش حياء امرأة بينما في الفقرة الثانية استخدم المشرع لفظ امرأة , و قد يكون الفارق في إن لفظ الأنثى تحمل معاني الأنوثة و الصفات الخاصة التي تتميز بها الأنثى من حياء و عفة , أي ركز المشرع على التكوينة الداخلية للمرأة من مشاعر وأحاسيس , بينما في الفقرة الثانية سلبط الضوء على التكوينة الخارجية للمرأة و التي تتميز في دولنا بالملابس المحتشمة والتي تتميز بها النساء عن الرجال , وعلى هذا القول فإن ملابس النساء عموما لا تدخل في هذا التجريم ما لم تتحقق الخديعة والتنكر  والزيف الخارجي , فإن ارتدى رجل ملابس تصلح للنساء كالقميص فلا يعد مرتكبا لتلك الجريمة طالما لم يتحقق التنكر ولا يعد زيا تتميز به النساء , ف المقصود في هذه المادة ” الزي ” و لقد احسن المشرع باستخدام كلمة الزي تعبيرا عن النوعية و على الملابس التي أخذ عرف المجتمع باعتباره خاصا بالمرأة كالعباءة و النقاب و الحجاب .

من خلال القراءة السابقة نستخلص إن القانون اعترف للمرأة بزي خاص تميزها عن الرجل – يلزم أن يكون بالغا – و أن يتحقق من هذا الفعل التنكر و التدليس , فإن القانون احترم المراة وزيها و جعل لها مقاما حتى يجرم من يستغله لمآربه , سواء قصد بذلك ارتكاب جريمة أم لا سواء دخل لمكان خاص بالنساء أم لا , فالجريمة قائمة بمجرد التنكر بزي امرأة . و الزي مناط للعرف في تحديد ماهيته و هيئته مع الأعتراف بالهيئات الأخرى غير السائدة , خاصة في مجتمع متفتح مثل الإمارات .

و الشاهد إن قانون العقوبات صادر سنة 1987 وقد اعترف بهذا الزي الذي به يتنكر الرجل , أي إن الزي ليس دخيلا على المجتمع الاماراتي كما يسعى بعضهم لاثبات هذا التجني , مع الأخذ بالاعتبار إن المشرع في اول صدور للقانون كان قد اقرن التنكر بدخول مكان خاص بالنساء إلا إن التعديل جاء سنة 2005 ليجرم مجرد التنكر  , وهذا من باب المعالجة التشريعية للواقع .

أضف تعليق